قداحة تنقذ امراة عراقية من الانتحار

قداحة تنقذ امراة عراقية من الانتحار

أكد نيوز- بغداد- حيدر انذار

في وقت تخلّى جميع من حولها عن مشاعرهم وتجمّدت عواطفهم وأحجموا عن الرحمة تجاهها، وتغيّرت الموازين حتى بات للجماد مشاعر وشفقة على بني البشر الذي نال سياط الظلم على يد أبناء جنسه، قداحة (ولاعة) حمراء شفافة من صنع محلي امتنعت عن الاشتعال وأبت ان لا تشترك بجريمة قتل روح امرأة عراقية تعرضت للظلم والتعنيف لأكثر من ثلاثين عاماً على يد شريك عمرها، وتدخلت في آخر لحظة لإنقاذ حياتها بعد أن أقدمت على الإنتحار.

” الظروف الإجتماعية والاقتصادية لعائلتي دفعتهم لتزويجي في عمر مبكر من زوج يكبرني بعشرة أعوام، كنت أحلم أن أكمل دراستي وأصل الى مراحل متقدّمة لكن للأسف لم يشأ القدر لي ذلك، بل رسم لي حياة تعيسة مع شريك لا يعرف غير القسوة والعنف “. هذا ما روته لنا الباحثة في جمعية نساء بغداد سجى وعد عبد الرزاق عن (فاطمة العراقية 43 عاماً) كما أطلقت عليها باسم رمزي في حديث لوكالة [أكد نيوز] التي أقبلت على الانتحار بسبب تعنيف زوجها الذي طالها لمدة ثلاثون عاما.

ثلاثة عقود من العنف

فاطمة تتحدث عن قصة تعنيفها التي طالت لثلاثة عقود من الزمن على يد زوجها لأتفه الأسباب، كما تقول الباحثة على لسانها: ” لقد كان زوجي لديه شهادة اكاديمية وقلت في بداية زواجي لعله سيكون فارس احلامي وينقذني من الوضع الاقتصادي وحياتي المزرية عند الاهل، لكن سرعان ما تبدد حلمي من أول سوط لامس جسدي لأتفه الأسباب، بل لم يكن يبالي حتى إن كنت مريضة في ضربي”.

العنف لم يكن جسدياً فقط لفاطمة، بل كان الزوج يعنفها اقتصادياً، فهي أم لثلاثة أولاد يتركهم الأب دون معونة مادية لأشهر كما تبين: ” لا ينفق على أولاده أو عليَ ولا يبالي في هذا الأمر أبداً، وعانيت كثيراً من هذه الحالة، وكنت أتنقل ستة أشهر عند أهلي، وفي بيت زوجي شهرين أو ثلاثة؛ كونه كان يقسي عليَ جداً في بعض الأحيان ويطردني من البيت، فألجأ إلى بيت أهلي لكن سرعان ما يوبخني والدي أو يندم زوجي، وبعد أشهر يأتي ليصحبني الى البيت، وكانت سنواتي التي عشتها معه متشابهة من حيث العنف والقسوة والبؤس الذي عشته في كنفه”.

“لن انفصل عن زوجي حتى لو كلفني حياتي”… والسبب؟

وعن سبب عدم إنفصالها من زوجها الذي يعنّفها باستمرار أجابت أن ” والدي رحمه الله كان يقول لي إن طلبتي الانفصال من زوجك فعليك أن تأتي إلى البيت بمفردك دون أطفالك، وهذا سبب واحد كافٍ أن أتحمل جميع أنواع العنف والظلم لآلاف السنين، ولن أطلب الطلاق من زوجي إن كان السبب ترك أولادي وكوني أم لم ولن اتخلى عنهم حتى لو كلفني ذلك حياتي”.

بداية التفكير بالانتحار

وتكمل فاطمة “حدثت مشكلة كبيرة بيني وبين زوجي في يوم من الأيام وانهالَ عليَ بالضرب المبرح وقد كانت سياطه تلامس جسدي بقسوة، وكانت تلك اللحظة أقسى ما مرّ عليَ في حياتي لدرجة شعرت أني لست من جنس البشر، ولا قيمة لي في نظر أهلي وزوجي وانهرت نفسياً واصابتني حالة من الهستيريا”.

“القداحة” ترسم حياة جديدة لفاطمة

هنا تدخّل القدر ورسم لها حياة جديدة على يد جماد أبى الاشتراك بالجريمة بعد أن تجمّدت جميع مشاعر البشر من حولها، حيث تستدرك قائلة “اندفعت في لحظة غضب وحالة من الهذيان النفسي الى سلك الكهرباء ومسكته بيدي بدافع الانتحار لكن لم ينجح الامر، فخرجت مسرعة الى حديقة المنزل وتناولت في طريقي القداحة وعبوة (بانزين) التي كانت بجانب مولدة المنزل وصببتها على جسمي وبدأت اقدح لأشعل في نفسي النار لكنها أبت أن تعمل لتنهي حياتي وأغمي عليَ ونقلني الجيران الى المستشفى”.

لا خيار غير الانتحار

وتلفت الباحثة عبد الرزاق الى أن ” ظروف الحياة القاسية وعنف زوجها المستمر هو من دفعها للتفكير بالانتحار والاقبال عليه وانهاء ما تبقى من حياتها في تلك اللحظة “، مبينة على لسانها ” لم اشعر بوجود أي فرصة لي بالتخلص من هذا العذاب المستمر غير الانتحار ولم يبقى لي أيّ خيار امامي غيره لذلك أقدمت عليه”.

الندم

علامات الندم بانت واضحة في تقاسيم وجه فاطمة وكأنّها خارجة من حرب خاسرة بعد أول محاولة لها للانتحار، حيث تفصح للباحثة عن ذلك بقولها إنّ “الله الذي وهبني هذه الروح لا يجب أن تنتهي بهذه الطريقة ويوجد حساب يوم الاخرة وخصوصاً أن زوجي قد زاد من عنفه لي بعد المحاولة، ولقد ندمت كثيراً على ما أقدمت عليه من الانتحار”.

الطريق المسدود يؤدي للانتحار

ويبدو أن الجوانب النفسية والاجتماعية هي من تدفع الفرد إلى الانتحار والتخلّي عن أغلى شيء يملكه، كما يقول الباحث الاجتماعي والتدريسي في جامعة القادسية الدكتور صلاح كاظم جابر لـ[أكد نيوز] إنّ ” ظاهرة الانتحار لدى النساء في المجتمعات الشرقية مسألة صعبة جداً وآثارها الاجتماعية بعد الانتحار وخيمة على الأهل والأقارب، فالاتهامات ستنهال عليهم والطعن بالشرف والعفة، ولا تقدم المرأة الشرقية على الانتحار إلا بعد أن تصل إلى طريق مسدود ولا خيار ثانٍ لديها؛ نتيجة الظروف الاجتماعية أو الاقتصادية أو التعنيف من قبل الشريك وأغلبها بدافع الشرف”.

ويضيف التدريسي في جامعة القادسية ” هنالك عنصران مهمان في حياة الانسان يجب أن يتوفرا وهما يحركان حياته بالكامل، أن يشعر في يومه بالاطمئنان وبغده بالأمل، فاذا فُقدا في حياة الانسان والحمد لله هما غير موجودين في حياة الفرد العراقي (قالها متهكما) يصبح الانتحار هو الخيار الوحيد المتاح له إنجازه”.

ويلفت إلى أنّه ” نحتاج إلى إجراء دراسات خاصة بهذه الظاهرة، وعملية توعية اجتماعية شاملة، ويجب أن نبيّن بأن الانتحار ليس هو الحلّ الناجع، وتوجد فرص أخرى بالحياة غيره”.

الخبيرة في حقوق الانسان ورئيسة معهد المرأة القيادية المحامية إيمان عبد الرحمن، تبين موقف القانون من حالات الانتحار كما تقول إنّ” الموقف القانوني واضح في مثل هكذا حالات، حيث نصّ القانون على مسائلة الشخص الذي يقدم على الانتحار وينجو منه رغم أنّه لم يضع له عقوبة، وما السبب الذي دفعه ان يقدم عليه، ومن اوصله لهذه النتيجة يكون شريكاً، ويحاسبه القانون كالذي يقدم على قتل شخص عمداً”.

وزارة الصحة تتستر على حالات الانتحار

وعن تستر وزارة الصحة في إعلان حالات الانتحار ونسبته في العراق تقول رئيسة معهد المرأة القيادية إننا ” رصدنا بعض حالات الانتحار في المؤسسات الصحية دون تقرير مسبق بحالة الوفاة من مراكز الشرطة، والغريب أنّ في بعض الحالات تُلزم وزارة الصحة مؤسساتها في حالات الدهس البسيطة أن يُقدم لها تقرير من مراكز الشرطة ضمن الرقعة الجغرافية للحدث، وتتهاون في حالات الانتحار!”.

وتوضح أنّ ” العراق ملزم بتقديم تقارير دولية بحالات انتهاك حقوق الانسان، ولا أعلم هل هنالك حالة انتهاك أكثر من إقدام الانسان على الانتحار؟! وأتصور أنّ الحكومة تتخوف من توجيه النقد لها من قبل المجتمع الدولي وهذا السبب وغيرها من الأسباب السياسية والاجتماعية وراء تسترها عن إعلان حالات الانتحار، فيجب تسليط الضوء على هكذا حالات “.

1700 حالة انتحار

وتلفت الخبيرة ” كنت حاضرة في جلسة سيداو التي عقدت في عام 2014 بمصر، وقدم تقرير من قبل الطب العدلي في كوردستان العراق رصد (1740) حالة انتحار شهدها العام نفسه، وهذا أكبر انتهاك لحقوق الحياة والانسان، واتذكر كيف حدثت ضجة في الجلسة من الرقم المخيف والمهول”.

ولوضع حلول لهذه الظاهرة تشير المحامية إلى أنّ ” أغلب حالات الانتحار ناتجة عن عنف أسري، لذلك يجب على البرلمان أن يسرع في تشريع قانون العنف الأسري والقانون المطروح الآن على طاولة البرلمان والذي قرأ القراءة الأولى وجد فيه ركاكة وضعف ويفتقر إلى الكثير من البنود”.

في نهاية المطاف قررت فاطمة العراقية أن تعمل وتعتمد على نفسها وتهتم بتربية أولادها، ولديها الآن أحفاد فكلما نظرت إليهم وتفحصتهم بعينيها وهم يلعبون تضمهم بين أضلعها وتندم كثيراً على تلك اللحظة الشيطانية الذي دفعتها للانتحار، كما وصفتها، والتي كادت أن تُنهي حياتها. /انتهى

المصدر: