صدام حسين

صدام حسين

هل هناك علاقة مباشرة بين نظام الرئيس الأسبق صدام حسين وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)؟ هل وُلد الأخير بدعمٍ من الأول؟ هل ساهمت ظروفه بخلقه؟ هل هناك علاقة عقائدية بينهما؟ سنحاول الإجابة على هذه الأسئلة.

تنظيم داعش الذي يتزعمه، أبو بكر البغدادي والذي نشأ من تنظيم القاعدة في العراق. لكن هناك تساؤل بشأن من هو بالضبط المسؤول عن بروز هذه المجموعة المتطرفة؟

واحدة من اكثر الحجج الشعبية المتزايدة، تضع اللوم على ان الرئيس العراقي السابق صدام حسين وراء تنظيم داعش. فوفقاً للمدون ووكر أورتن الذي كتب تحقيقاً في صحيفة النيويورك تايمز قال فيه “ اولئك الذين يديرون التنظيم ومجلسه العسكري معروفون في وقتٍ سابق بانهم ضباط عسكريون في نظام صدام حسين”.

قبل الصحافي آرتون، كتبت الصحافية ليزا سلي، تحقيقها في صحيفة الواشنطن بوست، مقدمة شرحاً مفصلاً عن ميول الرئيس السابق صدام حسين الاسلامية، مستشهدة بحملته الايمانية التي انطلقت في عام ١٩٩٤. مجدداً كتب اماتزيا برعام، كتاباً عن صدام وعلاقته مع الاسلام بين عامي ١٩٦٨ـ ٢٠٠٣، وقد ذكر في كتابه، ان البغدادي هو “صنيعة صدام حسين”.

هذه الاوصاف التي تقول ان نظام صدام والبعث لهما ارتباطا بولادة تنظيمات متطرفة مثل القاعدة وداعش، تبدو غير موجودة في وثائق ارشيف حزب البعث الموجودة بمعهد اللوفر، التي تؤكد ان لا دليل على تعاطف صدام حسين او حزبه للحركات الاسلامية مثل الوهابية والسلفية.

بل هناك من حاول، ان يقول ان نظام صدام وحزبه كانا يدعمان السلفية وليس الوهابية. ومع ذلك، فان النظام البعثي استخدم هذين المصطلحين بشكل مترادف وتعامل مع مؤيديهما بشكل متساو. وفي وقت سابق كان صدام يصف الحركة الوهابية في تعليقاته على انها ظاهرة دينية سلفية!

صدام كان لديه نفور عام لاي شكل من اشكال الأسلمة في نظامه، بدليل خطابه التاريخي في عام ١٩٩٦ الذي هاجم فيه الاسلاميين. منتقداً بشكل خاص الحجج الدينية التي يعتقد انها تنفي الوحدة العربية وتنتج بدلاً عنها الوحدة الاسلامية، مبيناً انه لا يجوز الانخداع بهذه الحيل.

صدام في تلك الفترة، كان يعتبر نظامه متوافق تماماً من ناحية الفكر مع “الجيل الجديد” من المناصرين في مصر واليمن اللتان تقومان على اساس القومية والنضال. نظام صدام كان يستخدم القومية العربية في التدخل بالقضايا الدينية. وتظهر سجلات النظام السابق، ان خطاب صدام حسين كان يقرأ بصوت عالي الى كل عضو في حزب البعث، وكان يهدف الى ان يكون اساسياً في مهاجمة الجهات الدينية. هذه النتائج التي توصلنا اليها مستندة الى ارشيف حزب البعث العراقي.

على سبيل المثال، وجد الباحثان يوسف ساسون وهارون فاوست، ان نظام صدام ليس لديه اي تعاطف مع اي نوع من السلفية او الاسلامية. بينما لاحظ ساسون انه في عام ٢٠٠١، ان وزير الاوقاف والشؤون الدينية عقد اجتماعاً حضره اكاديميون وزعماء دين وممثلين عن الاجهزة الامنية المختلفة لمناقشة الوهابية وكيفية محاربتها، وكيف ان تعاليم الوهابية لا تمت للاسلام الحقيقي بصلة.

وبالمثل، قال الباحث فاوست ان “ حزب البعث في عام ١٩٩٠ حظر كتب الاسلاميين السنة كما لاحق الواعظين والائمة بعدما اكتشف ميولهم الاسلامية المتطرفة،والغى الحزب التدريس في المدارس الدينية، مشجعاً بالوقت نفسه على التدريس العسكري وفتح اكاديميات علمانية.

واحدة من الحجج التي يتمسك بها البعض تشير الى ان صدام نتج عنه تنظيم داعش، على اعتبار ان قدامى المحاربين في الجيش واجهزة الاستخبارات العاملين في نظام صدام هم الآن اعضاء في تنظيم داعش.

وهذا لا ينبغي ان يكون مفاجئاً. فمنذ عام ٢٠٠٣ انضم البعثيون السابقون الى جماعات متمردة متنوعة وليس فقط داعش، فقد حولوا ولاءاتهم على مر الزمان وفقاً للمناخ السياسي لاسترجاع السلطة لهم مجدداً.

مثل الآخرين عبر التاريخ، لقد اظهر العراقيون مراراً وتكراراً قدرتهم الهائلة على التكيف مع الظروف الحالية والاذعان للايديولوجيات السائدة. على سبيل المثال كان الدكتاتور الايطالي السابق بينتو موسوليني، اشتراكياً قبل ان يكون فاشياً، وصار نازياً بعدها ولاحق الشيوعيين في المانيا الشرقية والرأسماليين في المانيا الغربية. وحتى سيّد قطب، احد منظري الحركات الاسلامية في القرن العشرين، كان ينحدر من خلفية اشتراكية ماركسية.

الحجة القائلة، بان صدام حسين اندمجت سياساته البعثية مع الحركات الاسلامية ايضاً غير صحيحة. ويشير مؤيديو هذه الفكرة، الى ان هذا السرد ناتج من لقاء جرى في عام ١٩٨٦، بين صدام حسين وكبار قادة نظامه والاسلاميين في خارج العراق وهو بالاصل كان تحالفا تكتيكيا مع الاسلاميين، خصوصاً مع المصريين المنتمي لجماعة الاخوان المسلمين.

ويقال ان حزب البعث كان دوره واضح تجاه الاسلام، ففي اللقاءات التي جرت بين حزب البعث والجماعات الاسلامية كانت كلها “لقاءات تكتيكية”، وفقاً لمراكز بحوث الصراع وتوثيق المعلومات.

البعثيون العراقيون اقاموا تحالفات تكتيكية مع جماعة الاخوان المسلمين في سوريا منذ عام ١٩٨٠، كما أقام الحزب نفسه، تحالفاً مع الاحزاب الشيوعية الموجودة في العراق وخارجه، لينفرد بعد ذلك بقمع هذه الحركات والاحزاب ويتبوأ السلطة.

صدام بوضوح انه على الرغم من التحالف التكتيكي مع الاسلاميين، كانت آيدبولوجيته البعثية تتعارض مع الاسلام بالنظر الى ان رؤيته المتقدمة التي تقول يجب اعتماد “ دولة القومية والاشتراكية”، وبعدها قال ان العراق دولة اسلامية.

علاوةً على ذلك، مؤسس حزب البعث مسيحي وهو ميشال عفلق، الذي ايد التحالف التكتيكي مع الاسلاميين غير العراقيين، رغم ادعاء البعثيين بان عفلق اعتنق الاسلام وهو على فراش الموت، بينما غالباً ما تم تصويره على انه “حصن ضد الاسلمة” خلال فترة حياته”!.

ورغم دعم صدام حسين للجماعات الاسلامية الاقليمية، مثل حركتي حماس والجهاد الاسلامي المصرية، لكنها كانت بدافع ستراتيجية. كما دعا صدام بعض المقاتلين الاسلاميين لمساعدته في مناهضة الغزو الامريكي بعام ٢٠٠٣.

وعلى الرغم من تأييد نظام صدام حسين لحركات اسلامية كما هو الحال في السودان حتى عام ٢٠٠٣، الا ان تقارير الاستخبارات العراقية تشير الى ان صدام كان يبدي غضبه من التعاون مع الاسلاميين، مؤكداً دعمه للقومية العربية العلمانية.

في وقت لاحق من عام ٢٠٠٠، أشار تقرير للاستخبارات العراقية الى الغضب بين الاسلاميين السودانيين وصدام، على اعتبار ان الاخير كان يشجع على “القومية العربية العلمانية”، ويدعم حزب البعث السوداني.

محلياً، عارض صدام التيار الاسلامي وناهض اي حركات او اصدارات جديدة ناتجة عن الاسلام. وفي الواقع وُجدت في سجلات حزب البعث العراقي التي تحتوي على الآلاف من الصحفات بين عامي ١٩٩٠و ٢٠٠٠ معارضة صدام لكثير من الزعماء الدينيين في العراق.

كان البعثيون صارمين وبلا رحمة في محاولاتهم بملاحقة اي شخص لديه ميول سلفية او تعاطف مع الاسلاميين. في الواقع كان نظام البعث في تسعينات القرن الماضي بالعراق لديه جداول بيانات تحتوي على اسماء كل زعيم اسلامي في كل مسجد بالبلد. وطُلب من امانة الحزب وفروعها المحلية التي تسلمت نسخ هذه الجداول الاحاطة علماً بالمنتسبين الى الوهابية وجماعة الاخوان المسلمين.

lemon_saddamisis_ltrlolc.jpg

خلال تسعينات القرن الماضي، قام نظام البعث واجهزة الامن التابعة لصدام بحاربة الشيعة و قطع رأس المومسات وقطع ايدي اللصوص ورمي المثليين جنسيا من اسطح المنازل، لكن لا يوجد دليل في سجلات حزب البعث على انه قد طبق الشريعة الاسلامية في العراق.

وكان تنفيذ هذه الاعمال الوحشية من قبل القوات شبه العسكرية التابعة للنظام البعثي وهم فدائيو صدام، وكثير منهم كانوا يعتبرون الفقراء الشيعة زنادقة مثل ما يقوم به تنظيم داعش. وعلى الرغم من ان عناصر الوحشية التابعة لنظام البعث تشبه من ناحية السلوك مسلحي داعش، والتي تُفهم آنذاك على انها ميزت نظام البعث بالقسوة، لا انها لم يظهر عليها اي دوافع اسلامية وراء هذه الاعمال الوحشية التي قام بها الفدائيون.

من جمل افكار تعزيز السلطة البعثية في العراق، اعتمد الحزب المحظور الان، على الحملة الايمانية كجزء من نشر ايديولوجيته، فعلى سبيل المثال في عام ١٩٩٧، قدم حزب البعث خطة جاءت بعنوان، التلقين الثقافي على الممارسات الدينية، وهذه عبارة عن دورات بعثية على الاسلام.

في منتصف القرن العشرين، كانت افكار حزب البعث مكتوبة من قبل ميشال عفلق. بينما في عام ١٩٩٧ تمت كتابة الافكار الاخرى من قبل صدام نفسه ونشرت بسلسلة طويلة تتحدث عن افكار القومية بوصفها هدفاً في تعزيز الدول العربية، فضلاً عن تدريسها لانها ستخفف الانقسامات الطائفية وفضح زيف دعاة الاسلام.

تصوّر داعش كنتاج عن سياسات صدام غير صحيح، لان هذا يزيد بشكل اساسي تطور الجماعات المسلحة النشطة في البلاد التي برزت في عام ٢٠٠٣.

الغزو الذي دمر العراق وتلاه التمرد الذي قادته الولايات المتحدة من خلال تشكيلها نظاماً سياسياً اشعل الحرب الاهلية فيما بعد، ادى الى سيادة الطائفية التقسيمية والتطلعات السلطوية التي كانت واضحة حينما وصل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الى السلطة.

الباحث توبي دودج لاحظ، ان رئيس الوزراء السابق نوري المالكي كان يحاول نشر رسالة طائفية مشفرة مستندة على انتهاكات ارتكبت بحق الشيعة خلال حكم البعث، وهو غالباً ما كان يستخدم كلمة “بعث” في مخاطبة المجتمع السني، معتبراً ان الانتهاكات الحاصلة في العراق كانت وراءها حزب البعث.

وفيما تحاول ادارة الرئيس الامريكي مكافحة تنظيم داعش وفق ستراتيجية فعالة، فمن الاهمية ان نفهم الجذور الحقيقة التي كانت وراء بروز تنظيم مثل داعش، وسابقيه مثل، أنصار الاسلام وجماعة التوحيد وهي (جماعة مسلحة عاملة في العراق قبل الغزو عام ٢٠٠٣ بقيادة الولايات المتحدة)، فضلاً عن تنظيم القاعدة الذي برز في عام ٢٠٠٦.

بنفس القدر من الاهمية، كيف يمكن دمج هذه الجماعات المسلحة التي اصبحت في نهاية المطاف تنظيم داعش؟، اذ يمكن القول ان التطورات السياسية في العراق منذ عام ٢٠١٠ وصاعداً والحرب الاهلية في سوريا التي بدأت في عام ٢٠١١، عوامل ساعدت على نضوج جماعات مسلحة مثل داعش. الروايات التي تربط بين البعث والسلفية، هي إلهاء يمنعنا عن فهم تنظيم داعش وتطبيق الدروس الصعبة الامريكية التي قدمتها لاضاعة كيف نتجت هذه التنظيمات.

عن مجلة فورين أفيرز

ترجمة : أحمد علاء

المصدر: وكالة الغد برس