سعد هدابي

حاوره /حيدر انذار

من صرخة استاذ بوجه طفل في باحة المدرسة امام التلاميذ, اثارت لديه الفضول وأشعلت في نفسه روح المنافسة نحو النجومية , ومن مدينة عرف بطيبة اهلها وعذوبة نهرها ونسمات الهواء التي امتزجت برائحة عنبرها ومن صوت تغريد البلابل العراقية الفراتية ومن عبق الحضارة النيبورية , اشرقت ابداعاته وتميزت أفكاره, فانطلق في سماء الفن والمسرح ليكون النجم اللامع فيها انه, الفنان المسرحي العراقي الكبير سعد هدابي الذي رفد الساحة الفنية العراقية والعربية بكتاباته وإبداعاته المسرحية التي عرف عنها الواقعية والجرأة ,وكان لنا حوار معه وتحدث فيه عن المدينة التي نشئ فيها وعن انطلاقته وإبداعه وكتاباته في عالم الفن والمسرح واليكم نص الحوار.

– أين نشئ الفنان الكبير سعد هدابي ؟

سعد هدابي هو ذلك الطفل الذي لم يزل يحبو في ازقة وشوارع مدينة الديوانية جنوب العراق وينتمي الى هذه المدينة بكل جوارحه و لا زالت تلك المدنية التي يشكل فيها نهر الديوانية عاملا مشتركا ما بين ضفتيها على حد سواء , انظر اليها بذلك النفس الاول لأنه يرتبط بالدرس الاول وبالتفتيش الاول والبحث الاول عن الحياة وصيرورتها ,ومنحتني هذه المدينة مساحة من التأمل لهدوئها, وطيبة اهلها ايضا منحتني الكثير من القصص والتجارب ,ولا زلت احيا بكل جوارحي بهذه المدينة لشعوري بأنها خالدة لأنها تمتلك من الطاقات ومن التجارب الكثير.

– متى كانت الانطلاقة الاولى في عالم الفن والمسرح ؟

البداية والانطلاقة الاولى كانت من مدرسة الشروق في العام 1969 حيث كنا كل يوم خميس نقف في باحة المدرسة وقدّم الاستاذ شاكر ذلك المعلم الذي علمني الكثير (سكيج مسرحي) امام التلاميذ ولم اكن اعرف ان هذه اللعبة تسمى بالمسرحية , فكان يقدم لنا من خلالها موعظة للتلاميذ ورسالة اخلاقية وتربوية ,ومضت الايام وشكل لدي هذا (الاسكيج المسرحي) تساؤلات في نفسي ,ماذا يعني هذا العرض وهذه اللعبة ؟وما هذه الحركات التي يقوم بها بعض التلاميذ بتمثيل ادوار مختلفة؟, فبادرت في السؤال الى استاذ شاكر عن هذه الحركات والأدوار التي يقومون بها , وقلت له ماذا يعني هذا العرض وماذا يفعل هؤلاء التلاميذ؟ ففي اول الامر لم يجبني المعلم بل بادر الى الصراخ في وجهي وقام بطردي بطريقة طريفة , فأشعلت تلك الصرخة في نفسي الفضول وحب الاستطلاع فشعرت منذ تلك اللحظة ان هناك شيء يجذبني نحو هذا الاسكيج ,فبادرت بجراءة مرة اخرى دون تردد بطرح السؤال على المعلم , وعندما رأى اصراري على ذلك اجابني قائلا لي ان ” هذا الشيء اسمه مسرح” ,وراح يشرح لي بان هذا المسرح فيه ابطال ويحتوي على قصة وفيه تاريخ ….الخ ,فركزت في ذاكرتي تلك الجمل وتبادر الى ذهني ان هذا الخطاب المسرحي ممكن ان يمهلني في يوم من الايام, وسعيت في هذا الاتجاه وطرق باب المسرح وبدأت الكتابة فيه عندما كنت في مرحلة الدراسة المتوسطة فكنت اكتب الاعمال وإخراجها وامثل فيها بنفسي وبعض زملائي كانوا يمثلون عندي .

-متى دخلت معهد الفنون الجميلة وكيف وجدت المسرح ؟

دخلت معهد الفنون الجميلة في بغداد عام 1979, وتمنهجت عندي قضية المسرحة فاكتشفت ان المسرح عملية شاقة وقضية خطيرة وكبيرة ,والمسرح ثقافة ورسالة ,وكانت الموهبة في بداية المشوار متواضعة ,ولكن صقلت هذه الموهبة على يد اساتذتنا ومشاهدات وتجارب كثيرة ,وقطعنا شوطا من الدراسة والبحث الاكاديمي بشيء اسمه المسرح, فبدئت اعمل في المسرحة بمساحة كبيرة بالعمل والإبداع ,وكنت مطالبا بذلك, فنمت التجربة لدي وبدأت اشعر بأنني اسير على الطريق الصحيح , والمسرح كقضية فهمت مضامينها واتجاهاتها ,ومن ثم تخرجت من المعهد ,وكنت انا شخصيا في المسرح العسكري ,فبعدها قدمت الكثير من الاعمال المسرحية وكان من ضمنها “مسرحية البهلوان” والتي كانت اول عمل مسرحيا لي بعد التخرج في عام 1990 في الديوانية ,وهي من تأليفي وإخراجي وكانت تتحدث عن احد الشخصيات المتسلطة وهو الباشا وكيف كان يستعبد الناس ويمسخهم الى قرود, وأحدثت هذه المسرحية ضجة كبيرة وشارك فيها الكثير من الشخصيات ,وبدئت اشترك في مهرجانات كبيرة في بغداد وحصلت على جوائز كثيرة وانطلقت رحلة المسرح ومشواره عندي ولازلت.

– ما اصعب موقف مررت به اراد ان يعيق تقدمك في مشوارك الفني والمسرحي؟

انا في عمري لم اجد طريقاً معبدا بالزهور امامي, وكانت كلها وعرة وصعبة وكنت احمل في يدي مطرقة ومعولا, ولكن كان اصعب موقف مر عليَ بعد تخرجي من المعهد وحال بيني وبين حلمي الذي كنت احلم فيه ولازلت, مع اني كنت المتفوق الاول في المعهد ,هو الخدمة العسكرية التي حالت دون تحقيق حلمي والذي هو اكمال الدراسة الاكاديمية في المجال المسرحي والحصول على اعلى شهادة في تخصصي, فكان في ذلك الوقت يوجد قانون الخدمة الالزامية فخدمت في المسرح العسكري , ورغم اني الان اُدرّس في معهد الفنون الجميلة إلا ان ذلك الحلم لم يذهب عن بالي ولا يزال يعيش في ذهني .

 

– ما الجوائز التي حصلت عليها عراقيا ودوليا ؟

حصلت على العديد من الجوائز العالمية والعربية والعراقية , فعلى الصعيد العالمي حصلت على جائزة افضل سيناريو عن مسلسل “انهم يقتلون النوارس” في مهرجان التلفزيون العالمي الذي اقيم في بغداد عام 1988 وبحضور الفنان الراحل احمد مرسي والكثير من الفنانين العرب والعراقيين وأيضا في مسابقة “الشارقة للإبداع” الذي اقيم في الامارات عام 2000 حصلت على جائزة الابداع عن مسرحية ” نزيف المومياء” وحزت جائزة افضل مخرج عن مسرحية “عربة الليل” عام 2004 وفي العام 2006 حصلت على جائزة افضل مخرج لمسلسل “ادم والحصان” اما في العام 2011, نلت جائزة افضل مخرج لمسلسل “بنيران صديقة” , وآخر جائزة حصلت عليها عام 2012 لأفضل كاتب عراقي في الدراما العراقية عن مسلسل “خارطة الطريق ” في بغداد ونلت العديد من الجوائز العربية والعراقية.

-ما هي المؤلفات التي خطها قلم سعد هدابي في الدراما والمسرح؟

لقد كتبت الكثير في الدراما العراقية والمسرح ومنها على صعيد التلفزيون الفت مسلسل “بيت الشمع” ومسلسل “الغائب” ومسلسل ”عش المجانين” ومسلسل “خارطة الطريق” ومسلسل ”فدعة” ومسلسل “حفيظ” ومسلسل “الطوفان ثانية” ومسلسل “انها تحتل ذاكرتي ” وعرض هذا المسلسل على التلفزيون اللبناني.

– من اين اتت فكرة تأليف مسلسل حفيظ لديكم؟

كثيرا ما سالت عن فكرة كتابة مسلسل “حفيظ” فهذا المسلسل من الواقع العراقي وأنا انتمي الى هذا الواقع , وبالتالي دراستي للواقع انتجت عليَ ان اكتب هكذا مسلسل وأنا اراه مهم كونه يمزج ما بين الواقع والأسطورة ,وحققنا في هذا المسلسل حظوة لدى المشاهد العراقي والعربي , وكان اخر عملين لدي هما مسلسل “حفيظ” الذي عرض العام الماضي في رمضان و ”الطوفان ثانية” والذي سيعرض بعد شهر من الان .

– كيف ترى اشتراك الفنان العربي في الدراما العراقية  ؟

التلاقح بين الثقافات دليل عافية , ولكي تمتد مساحتنا تسويقيا الى الوطن العربي ,علينا ان نشرك الفنان العربي بكل انتاج عراقي وإشراك الفنان العراقي في الانتاج العربي, ونجحنا في ذلك والدليل ان الفضائية العراقية اعتبرت اول عمل يسوق عربيا هو ”حفيظ” لأنه أشرك فيه الفنان العربي, ونسعى في المرحلة القادمة ان شاء الله ان يكون هنالك انتاج عربي وعراقي مشترك.

– ما هي رؤيتك للواقع الثقافي في العراقي ؟

انا ارى الواقع الثقافي في العراقي بعد التحول الذي حدث في ظل وجود اجهزة اتصال حديثة وفضائيات كثيرة وصحف ومجلات عديدة فكل هذه الوسائل الاعلامية تحتاج الى وقود يومي, فهنالك تدفق هائل في الثقافة, وهذا الكم بالمحصلة يخلق لنا نوع وهذا النوع هو دليل عافية عندما الاقلام تكتب والصحف تنشر والفضائيات تعرض , فالمشهد الثقافي العراقي في حالة نمو ,شعرا ومسرحا وفي جانب التلفزيون ايضا والرواية والقصة على حد سواء.

– مسك الختام
اقول شكرا لمدينتي لأنها انجبتني وشكرا لكم لأنكم لازلتم تعيدون هذا الانجاز من جديد باهتمامكم بالفنانين العراقيين وأبناء هذه المدينة المعطاء.