845147_328918 

حيدر انذار – تدوينات عراقية

ابحرت في أعماق رواية (فرانكشتاين في بغداد) الحائزة على جائزة البوكر العربي لعام 2013 في دبي، للروائي والكاتب العراقي أحمد سعداوي، فوجدت الكثير من جواهر المفردات ورصانة الأسلوب ومرونته في نفس الوقت فأحببت ان اوجز لقراء وزوار مدونتي ( تدوينات عراقية) ما تجول به هذه الرواية التي تروي لنا وتختزل مرحلة النعف التي مرت بالعراق وما تتحدث عنه فهي باختصار حلم عراقي للإنقاذ من مستنقع القتل وتناثر أشلاء الجثث.

 

ويقوم بطل هذه الرواية #هادي_العتاك الذي يسكن حي البتاويين وسط العاصمة بغداد ويجوب شوارعها حامل على ظهره جيس الجنفاص(كيس الطحين الفارغ) ليشتري الأثاث القديم من المنازل وعند عودته يرجع الى مقهى #عزيز_المصري في حي البتاويين بالقرب من منزله او الاصح خربة هادي فهو بيت متهالك تأكلت جدرانه تقادما ويتحدث هادي لزوار المقهى الشبه دائمين عن حكايات واساطير فيرسم على شفاه رواد المقهى الابتسامات الصاخبة استهزاءً به ومرة استمتاع لسماع ما يروي …

الى ان ذات يوم وهو جالس بمقهى عزيز المصري في خريف عام 2005  هز ساحة الطيران في الباب الشرقي وسط العاصمة بغداد انفجار عنيف بسيارة مفخخة استهدفت عمال البناء الذين يجتمعون هنا للحصول على عمل كل يوم فهرول العتاك مسرعا ووقف يتأمل جثث القتلى المتناثرة في كل مكان على اسفلت الشارع وتناثر بقايا الجثث… وهو يتأمل الجثث دس في فمه سيجارة وراح يسحب منها نفسا عميقا ويتفحص الأرض وكانه يبحث عن قطعة ضائعة بين أشلاء الجثث الى ان وجد ما يبحث عنه فراح مسرعا ورفعه من الأرض ودسه في جيبه وهرول الى خربة وذهب الى غرفة قديمة في زاوية الخربة رطبة مظلمة واخرج الشيء من جيبه ووضعه على بقية الأجزاء التي جمعها سابقا فاكتمل عنده المنقذ كما يعتقد فها هو  الانف او الجزء الأخير لهذا الشخص قد التحق بباقي الأجزاء ليكتمل عنده هيأة شخصا كامل وتناوش مخرزا وخيطا ولحمه بالجسد المسبل وسط الغرفة …

بعد عدة أيام وهو مستلق على فراشه طوقت قوة امنية بقيادة الامريكان منطقة البتاوين وهي تلاحق إرهابية يعتقد انه يقود سيارة مفخخة فشعر العتاك بخوف وقلق شديد فاذا دخلوا عليه ووجدوا الجثة سيتهمونه بقتل عدة اشخاص لا شخص واحد الى ان جاء نباء انسحاب الامريكان من المنطقة فشعر بشيء من الطمأنينة في نفسه…..

ام دانيال امرأة عجوز مسيحية جارة هادي رحل جميع أبنائها او بالأحرى هاجروا بعد تهديد المليشيات والجماعات المسلحة للمكوانات العراقية ومنها المكون المسيحي في بغداد حاولنَ بناتها كثيرا معها كي تهاجر معهنَ لكنها رفضت وبشدة ان تترك بغداد ان لم يعود ولدها دانيال الذي وقع اسيرا بيد الإيرانيين ابان الحرب العراقية الإيرانية في ثمانيات القرن المنصرم وهي مصرة نه على قيد الحياة وسيعود ذات يوم وتغسل ملابسه وتربت حاجياته بين فترة وأخرى ولكثر الحديث عن عودة ابنها في الأيام الأخيرة ظنوا بانها قد هرمت وباتت تخرف هاجرنَ بناتها الى دولة اوربية وبقينَ على اتصال بها عبر هاتف الكنيسة والذي لم يكن متوفرا الكثير من الهواتف الخلوية حينها…. ام دانيال كانت في كل ليلة تتحدث مع صورة لكاهن قديس تتوسط صورته في غرفتها تشعل شمعة وتجثم على ركبتيها امام الصورة متوسلة بصاحبها الذ يتراءى في بعض الأحيان بانه يتكلم معها وتتحرك ملامح وجده عندما تتموج على الصورة انعكاسات ضوء الشمعة …..

 العتاك وبعد نهار طويل ومضني قد انهك جسده الذابل وهو يجوب شوارع العاصمة بحثا عن آثاث واغراض قديمة يشتريها من المنازل غط بنوم عميق على سريره وسط الحوش، حتى فاق على صوت انفجار هز فندقا وسط بغداد بالقرب من خربته يقطنه الكثير من العاملين في وكالات الانباء والفضائيات العالمية والبعثات الدبلوماسية عندما اقتحم الانتحاري سوداني الجنسية بوابة الفندق بسيارة نفايات سرقها من عمال امانة العاصمة… الا ان حارس البوابة #حسيب_محمد_جعفر قد صده ببندقيته الكلاشنكوف واصابه عندها فجر نفسه الانتحاري عند البوابة وقتل حسيب ….شعر حسيب بشيء غريب ومن حوله أناس يسمع أصواتهم ويراهم لكنهم لا يسمعونه أو يرونه وحلقت به روحه الى مقبرة وادي السلام في النجف فوجد شخصا تصور أنه يراقبه ويسمع كلامه.

كان هذا الشخص أو الشبح قد اتكئ على قبره وكأنه منتظر أحد ليبلغه رسالة ما فقال له مخاطبا حسيب: ماذا حدث لي أشعر بشيء غريب وكأني في عالم آخر فقال له هذا الشخص :أنصحك بان ترجع وتبحث على جسدك وتعيد روحك اليه كونك لم تمت بعد وانك تائه بين عالمين فاسرع… لم يكن مقتنعا من كلامه تماما لكن لا أحد يسمعه أو يراه غير هذا الشخص فكان خياره الوحيد هو العودة الى بغداد والبحث على جسده أو بالأحرى جثته فأخذته روحه عن غير قصد الى حي البتاوين  ونزلت به الى خربة مظلمة ودخل الى أحدى غرفه فوجد فيها جسد مدد وسط الظلمة ورطوبة المكان وعند الاقتراب منها أنسلت روحه في الجسد وتبين ان الجسد الذي كون اجزائه #هادي_العتاك من جثث العراقيين الذين راحوا ضحية السيارات المفخخة والعبوات الناسفة، والذي أطلق عليه بحكاياته في مقهى  عزيز المصري أسم ( الشسمة)  قد تلبست فيه روح حسيب لينهض ويعود للحياة مرة أخرى….

أُم دانيال وهي جاثمة أمام صورة القديس تبتهل بالدعاء كي يعيد لها أبنها دانيال بعد أكثر عشرين عامل من فقدها له وإذا بها تسمع ضربات اقدام وسط المنزل واطلق قطها #مانو مواء وكانه يخبرها بقدوم شخص رفعت نظارتها ذات العدسة المدورة السميكة وتفصحت القادم واذا بها ترى ولدها ها قد صدقت نبوءتها أخيرا وكذب جميع من تصور انها قد خرفت واحتضنته بيداها الخاويتين وراحت تقبله وتتكلم له عن الاخرين الذين لم يصدقوا انه على قيد الحياة الى الان حتى اخواته… وبقي هذا الشخص صامت وكانه لا يجيد الكلام تداركت نفسها العجوز وقالت له قد نسيت ربما انت جاع الان سأعمل لك بعض الاكل الذي تحبه وحملت جسدها بكل ما به من هموم السنين وتوجهت نحو المطبخ لتجهز له العشاء ….

#محمود_السوادي صحافي يعمل في مجلة الحقيقة من أهالي مدينة العمارة جنوب العراق هرب امن أحد قادة المليشيات التي هدده بالقتل ذات مرة بعد ان تكلم بمقال له نشره في احدى الصحف المحلية عن عدالة السماء وعدالة الجماهير وعدالة القانون التي لابد أن تطبق على المجرمين وتقتص منهم وظن هذا القيادي انه يقصده فراح يهدده ويتوعده بالقتل فهرب الى بغداد وسكن فندق العروبة القديم في البتاويين وهو من مرتادي مقهى #عزيز_المصري ويستمع دائما الى حكايات هادي العتاك الخيالية ويستمتع فيها الى أن حس ذات مرة ان العتاك يتكلم بإحساس عن بطل حكايته ( الشسمة) وبقي يتابع محمود العتاك في كل مرة يروي حكايته ويروي بعض الاحداث التي يقوم بها هذا البطل والمنقذ للفقراء والمقتص من القتلة والمجرمين الذين يفجرون السيارات المفخخة….

ذات مرة اصطحبه صاحب المجلة ورئيس تحريرها علي_باهر_السعيدي الى منطقة محصنة تبين انها الخضراء التي تتحصن خلفها الحكومة العراقية بشقيها التنفيذي والتشريعي وسفارات الدول الأجنبية ووصلا الى دائرة اسمها دائرة المتابعة والتعقيب والخاضعة لسيطرة ومتابعة الأميركيين والاستخبارات والمخابرات العراقية مهمتها تتبع القضايا الاجرامية الغريبة والمجرمين الكبار يرأسها صديق السعيدي  #العميد_سرور دخلوا عليه ورحب العميد بصديقه الحميم وضيفه محمود الصحفي وراحوا يستذكرون بعض ماضيهم الجميل الى اخذهم الحديث عن حادثة غريبة قد حدثت في البتاوين قبل أيام قتل أربعة من عمال النظافة بطريقة غريبة حيث كانت هيأتهم على شكل دائرة واحدهم ماسك برقبة الاخر وخانقه وكأنها عملية انتحار جماعية من نوع غريب …..

كان ضمن دائرة المتابعة والتعقيب منجمين ومشعوذين وسحرة يتتبعون منذ أيام مجرم خطير كما يصفونه أطلقوا عليه المجرم (اكس) كونهم لم يحددوا ملامح وجهه جيدا ولم يتعرفوا عليه وهذا المرة الأولى التي لم يستطيعوا كشف هوية المجرم كما يسمونه….

أُم دانيال بعد أن أعدت الطعام لابنها العائد من جبهة القتال الإيرانية العراقية جلست أمامه تتأمله من خلف نظارتها ذات الإطار السميك تمني نفسها بانه هو فعلا جلس امامها دون أي كلمة وراحت تأكل وتتكلم معه عن ذكرياتها الجميلة وكيف كانت تنتظره كل يوم الى قام ونهض من امامها وهم بالرحيل فقالت له لا تتأخر يا دانيا …

خطف (الشسمه) بسرعة على سطح خربة العتاك نظر الى وسط المنزل وجد العتاك جالس على سريره والحيرة والخوف ظاهرة على وجهه، خاطبه الشسمه وهو يتكلم لأول مرة قائلا أنت من اتيت بي الى هذا العالم الغريب والمملوء بالظلم والقتل وجمعت اجزائي من جثث ضحايا العراقيين من جراء السيارات المفخخة والتفجيرات الإرهابية عليك ان تساعدي لأخذ بثأرهم ممن قتلهم واكون لي أنصار بأسرع وقت لأنجز مهمتي هذه لكي ترتاح ارواح اجزائي وسأعود بعد فترة واجد عندك الحل…  وتسلق الجدار بخفة وسرعة فراح هادي العتاك يفكر كيف سيساعده الى أن طر عليه الصباح وجلس الى مقهى عزيز المصري واذا بالحل قد وجد أمامه انه صديقه الصحفي محمود السوادي فنادى هادي من الصحفي وقال له لدي سر أريد ان أُفشيه اليك فقال له ما هو يا هادي فقال له لا استطيع التحدث هنا يجب ان نذهب الى بيتي ونكمل الحديث فقام معه وجلسا في باحة خربة العتاك وراح العتاك يشرح له حادثة تكوين (الشسمه) الغريبة وكيف انشائه وتكون فيه روح الضحايا لينتقم لهم من قالتليهم….

فتبسم محمود وقال له متهكما: ماذا تريد مني؟

فقال له العتاك: اريدك ان تجري مع الشسمه حوار وتبينه في الصحافة وتسلط الأضواء عليه كي يكون له أنصار ويساعدونه في مهمته

 فقال له باستهزاء: لا بأس وكيف التقي به؟

 فقال العتاك: لا ليس انت بل انا سأجري اللقاء به كونه لا يقبل ذلك

فراح الصحفي معطيا أيها مسجله الديجتال وهو متيقن بان مسجله سيجده في اليوم التالي او بعد قليل في سوق هرج باب الشرقي معروض في احد المحال بعد ان يبيعه العتاك … اخذ العتاك المسجل وانتظر حتى جن الليل واذا بالشسمه قد طل عليه وطرح عليه ان يجري حوارا صحفيا يعرف فيه عن نفسه ومهمته ربما قد يتعاطف معه الجمهور فاقتنع بطرح العتاك واخذ المسجل منه ورحل وفي اليوم التالي ارجع المسجل الى العتاك وعليه التسجيل الكامل فاسرع العتاك الى محمود السوادي واعطاه المسجل وفيه اللقاء وعند سماع محمود لصوت المتكلم وهو يشرح قضيته ويوضح مهمته شعر بان المتكلم يمتلك إحساس قد اخترق شعور السوادي وراح يحرر الحوار وانزله في مجلة الحقيقة تحت عنوان ( فرانكشتاين في بغداد)…

وراح ينتقم الشسمه من الذين قاموا بقتل أصحاب تلك الأجزاء واحد تلو الاخر…

هذا جزء من رواية (فرانكشتاين في بغداد ) اترككم مع متعة القراءة والمتابعة لها الى ان اوافيكم في روايات أخرى.

الرواية في الرابط التالي لمن يحب ان يحملها

اضغط هنا