السل

أكد نيوز – حيدر انذار

وصمة العار ونظرة المجتمع الدونية له بقيت تلاحقه أينما ذهب، فالسعال وخروج الدم المتدفق من الفم ونحول الجسد، إشارة الى تسلل مرض السل لرئته والذي اخذ منه مأخذه ولم يكتفي بذلك فحسب، بل أفقده حبيبته وابعدها عنه بعد ان رفض اهلها من زواج ابنتهم به لأصابته بمرض التدرن، رحلة المعاناة مع المرض والمجتمع الذي بات ينفر من حوله اشعلت جذوة الامل والطاقة الإيجابية وروح الاصرار داخل، نبراس رزاق (42 عاما) المصاب بمرض التدرن (السل الرئوي)، من مدينة الديوانية وراح يقاوم المرض حتى كسب المعركة ضده وأصبح ملهما لمرضى السل بالعالم.

يروي رزاق كيف أن المرض قد تسلل الى جسده داخل أحد السجون العراقية التابعة للأمن العامة وسط بغداد في أيام النظام السابق بعد أن كان متهما بتهمة سياسية فيقول ” سجنت في عام 1995بأحد السجون التابعة للأمن العامة في بغداد بتهمة سياسية وكانوا يعاملون السجناء بمنتها القسوة واللامبالاة حتى أصيب العديد من نزلاء السجن بأمراض مختلفة ومنها السل الذي اصابني وتسلل الى رئتي “.

اكتشاف المرض

ويكمل المصاب بمرض السل اكتشافه واصابته بالمرض ” أصبحت اسعل كثيرا داخل السجن وأصاب جسدي النحول والوهن والضعف وعدم الشهية وعندما ابسق كان الدم يصاحبه واتعرق اثناء النوم ليلا، وبعد فترة من المرض أفرج عني وخرجت من السجن راجعت العيادة المتخصصة بأمراض الصدر بمدينة الديوانية وتبين إني مصاب بمرض السل الرئوي، وخضعت للعلاج في اول أسبوعين”.

نظرة المجتمع أقسى من السل نفسه

وعن النظرة الدونية للمجتمع للمصاب بمرض السل يتحدث رزاق قائلا إن ” نظرة المجتمع الدونية لي ونفور أصدقائي واهلي من حولي أينما تواجدت حتى بعد اجتياز مرحلة العدوى للمرض وكانوا يصفونني بـ(المسلول)، كانت أقسى من المرض نفسه عليَ”.

السل يفقده حبيبته

المرض لم يكتفي بإصابته وتهديد حياته بالخطر ووضعه على حافة الموت وحسب، بل تسلل الى قلبه فأصابه بصعقة افقدته الحبيبة كما يصف نبراس رزاق ” المرض لم يكتفي بتهديد حياتي وسل جسدي بل تسلل الى قلبي ليفقده أغلى محبوبة عليَ وهي حبيبتي وخطيبتي، حيث ان أهلها بعد معرفتهم بإصابتي بالمرض لم يوافقوا على زواجي بابنتهم خشية ان اصيبا أولا او ان اموت في مقتبل العمل واتركها ارملة وهذا القرار قد حطم قلبي ودمر كياني من الداخل”.

جذوة الامل

من ركام الحرب التي يخوضها رزاق يوميا مع السل طيلة التسعة أشهر، ونظرة المجتمع الدونية له ونفور والأصدقاء عنه وفقدان الحبيبة، قد اشتعلت داخله طاقة إيجابية لمقاومة المرض واثبات انه قادرة على كسب المعركة امامهم وان نظرتهم هي الخاسرة في نهاية المطاف.

ويضح لـ[أكد نيوز] انه ” كنت محطما من الداخل فالأهل ينفرون من حولي والأصدقاء يبتعدون ويتحججون بعدم زيارتي بانشغالهم بأمور عدة وفقدان الحبيبة سهم قد أصاب فؤادي، فكل هذه العوامل السلبية اثرت عليَ من الداخل، ولكن في يوم ما وانا مستلق على فراشي افكر بماذا بقي لي كي أعيش من اجله فكل شيء احبه نفر من حولي والموت ارحم لي من الحياة …بعدها سمعت صوت يخرج من أعماقي يصرخ بي ويقول : عش لأجلك، عندها نهضت من فراشي وقررت خوض المعركة مع المرض لأتثبت لهم انني على حق وانهم واهمون، وشعرت بطاقة إيجابية داخلي ورحت اقوام المرض واخضع للعلاج وكنت مداوما عليه واستمع لنصائح الطبيب”.

 

للقضاء على التدرن

ملهما لمرضى السل في العالم

لم يخض المعركة وينتصر بها فحسب بل أصبح مرشدا وملهما لمرضى السل في العالم بعد ان اختارته منظمة الصحة العالمية كنموذج للتشافي من المرض ” اجتزت حالة الخشية من المرض وعدم الإفصاح امام المجتمع بأنني مريض بالسل بل العكس عملت ورحت اشرح للناس في المؤتمرات وامام وسائل الاعلام باني مصاب به وخضعت للعلاج وتماثلت للشفاء التام وهذا جلب انظار منظمة الصحة العالمية واصبحت عضوا في برنامج التدرن الوطني ومثلت العراق في محافل صحية عالمية وانا متزوج حاليا ولدي أطفال واتمتع حاليا بصحتي الكاملة حتى أنى (أكثر منك صحة) قالها مبتسما وختم حديثه”.

 

عصية كوخ

التشرد والفقر والسجون هي العوامل المسببة للمرض والبيئات الحاضنة له وسببه الرئيسي (عصية كوخ)، كما يبين مدير العيادة الاستشارية للأمراض الصدرية والتنفسية في الديوانية، الدكتور حسن شريف، على هامش المؤتمر الذي اقامته العيادة باليوم العالمي لمكافحة التدرن وحضرته [أكد نيوز] ان ” سبب مرض التدرن او المعروف بالسل هو عصية كوخ نسبة الى العالم الألماني روبت كوخ مكتشف مرض السل في سنة 1982، والعوامل المسببة له الجهل بالوقاية الصحية والامية والكثافة السكانية والفقر ونزلاء السجون وتقدم العمر والأطفال كون جهاز المناعة لديهم ضعيف، وهو على نوعين السل الرئوي الذي يصيب الرئة فقط، والسل الذي يصيب الغدد اللمفاوية ببقية أعضاء الجسد “.

ويضيف ان ” الاعراض للمرض هي السعال والعطاس والبسق دما لثلاثة أسابيع او أكثر ولا يستجيب المصاب للمضادات الحياتية، فعلى المصاب مراجعة المراكز التخصصية للكشف عن الحالة كونه مشتبه بإصابته بمرض السل، ونتحرى عن المرض بالفحص الاشعاعي والمختبري والسريري للمريض وإذا تبين انه مصاب، سيخضع للعلاج المجاني والمتوفر في المراكز الصحية كافة وكذلك نقوم بإجراء الفحص للمخالطين للمصاب بغية معرفة فيما إذا كانوا مصابين ام لا “.

” التدرن” قابل للشفاء

ويشير مدير العيادة الاستشارية للأمراض الصدرية والتنفسية الى ان ” المرض قابل للشفاء في حال التزم المريض بالعلاج الكامل بالفترة الزمنية المقررة له”.

392 حالة إصابة بالتدرن في الديوانية لعام 2015

ويلفت الى ان ” العيادة الاستشارية كشفت خلال عام 2015، إصابة 392 حالة بمرض التدرن جديدة في الديوانية و27 حالة إصابة قديمة كفئة أولى وثانية وكان ضمن المصابين ستة حالات بين النازحين، وخضعوا للعلاج ووصلنا الى نسبة شفاء 98% وهي نسبة مقبولة عالمية”.

القضاء على التدرن في عام 2030

واكد على ان ” منظمة الصحة العالمية وضعت استراتيجية للقضاء على مرض السل لجيل واحد في عام 2030 وانهاء معاناة عوائل المصابين والقضاء عليه كليا في عام 2050″.

من جهته قال مدية عام صحة الديوانية، الدكتور حسن جفات كروان، انه ” توجد عيادة تخصصية لأمراض الصدرية والتنفسية داخل مركز المحافظة وخمسة مراكز تشخيصية أخرى لتشخيص المرض وإعطاء العلاج للمصابين به ومتابعة حالاتهم، والعلاج متوفر في جميع هذه المراكز دون انقطاع وتحت الاشراف المباشر للأطباء المتحصصون”.

ولفت الى ان ” نسبة الإصابة وحالات الانتكاسة مقبولة جدا في المحافظة ضمن السياقات العالمية للمرض واختيار الوزارة محافظ الديوانية لإقامة هذه المؤتمر باليوم العالمي لمكافحة التدرن هو مكافئة للمحافظة لجهودها المبذولة في الحد من المرض”.

الصحافة والسل

المصطلحات والمفاهيم الخاطئة المستخدمة في وسائل الاعلام والصحافة هي سبب تفشي المرض ونظرة المجتمع الدونية للمصابين به كما تقول الدكتورة في دائرة الصحة العامة بوزارة الصحة، بشرى جميل ان ” بعض وسائل الاعلام والصحافة تهول من الإصابة بالمرض وتستخدم مصطلحات مرعبة للمواطنين تجعلهم يخشون من الكشف على الحالات المصابة وينظرون للمصاب بنظرة الريبة والنفور منه”.

من جهته طالب المحامي علي الكوردي بتشريع قوانين تحد من انتشار المرض حيث قال ان” الدولة ملزمة بتوفير الرعاية الصحية وتقديم الخدمات الصحية للمواطنين وعليها ان تشرع قوانين تحد من انتشار مرض السل، وتوفير مستلزمات العيش الأساسية كالسكن الجيد كون المرض انتقالي في بعض حالاته وينتشر في الاحياء المكتظة بالسكان والفقيرة عادة، وتوفير التغذية الجيدة للمريض اثناء فترة اصابته”. /انتهى 

المصدر